فيروس صغير الحجم لا يكاد يرى بالعين المجردة ولا حتى بالمايكروسكوبات العادية، وأصغر من الخلية الإنسانية بعشرات المرات. كيف استطاع هذا الفيروس مواجهة جهاز المناعة؟ وبالمقابل كيف استطاع جهاز المناعة أن يحارب هذا العدو الجديد ذو الطفرة الوراثية التي لم يعلم بها الطب من قبل؟!

مساق “الصراع بين فيروس كورونا وجهاز المناعة الإنساني” يناقش هذه المواضيع، وكيفية الوقاية من هذا الفيروس وآلية العلاج الملائمة.
 
د أديب الزعبي


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

01 ما هي الفيروسات وكيف تتكاثر في الجسم؟! | الصراع بين فيروس كورونا وجهاز المناعة الإنساني!

حقائق مفاجئة عن الفيروسات:

الفيروسات ليست كائنات حية! بكل ما تسببه من أمراض وكوارث وأوبئة فهي ليست كائنات حية.
مفاجأة!
الفيروس لا يتكون من خلايا وهي الوحدة الأساسية للحياة.
الفيروس لا يستطيع أن يتكاثر خارج جسم الإنسان أو خارج جسم الحيوان المضيف؛ لذلك يتوجب على الفيروس حتى ينتقل من إنسان إلى أخر أن يدخل داخل خلية ويتكاثر بداخلها ويستخدم ماكينتها التصنيعية حتى يتكاثر.

اليوم سندخل في رحلة في عالم الفيروسات وكيفية استجابة جهاز المناعة الإنساني. نحن الآن في صراع بين الفيروس من جهة وجهاز المناعة الإنساني من جهة أخرى.
فلنبدأ الرحلة التعليمية. أهلا وسهلا بكم:
أنا الدكتور أديب الزعبي أستاذ المناعة والطب التجديدي ورئيس المركز العربي للخلايا الجزعية.

وصف الصراع بين كورونا وجسم الإنسان:

وظائف الخلية الإنسانية:

هناك صراع بين الفيروس من جهة وجهاز المناعة من جهة أخرى.
والخلية الإنسانية تحتوي على كم هائل من الماكينات التصنيعية وما يحتاجه الإنسان، فالخلية لوحدها كائن حي بكامل قدراته يستطيع أن يقوم بكافة الوظائف المناطة بها بحسب تخصصها. (فسبحان الله!).

وهناك أكثر من ثلاثمائة نوع من الخلايا في الإنسان والإنسان يتكون من أكثر من خمسين تريليون خلية وكل خلية لها وظيفتها المحددة في نسيجها المحدد في مكانها المحدد وتقوم بوظيفة محددة في وقت محدد وتتغير وظيفتها حسب وقتها وحسب نوعها وحسب عمرها في الإنسان.

هذه هي الخلية الإنسانية فالإنسان مجموعة من الخلايا والأنسجة التي تعمل مع بعضها البعض كنسيج واحد كعضو واحد كشخص واحد كنموذج متكامل للتعامل مع المعطيات الخارجية والتغيرات الداخلية التي تحصل داخل الإنسان فيحافظ على ديمومته وعلى هذه الحياة بمراحلها العمرية المختلفة.

مكونات الخلية الإنسانية:

تتكون الخلية الإنسانية من غشاء خلوي هذ الغشاء الخلوي يحمي الخلية من أية أعراض داخلية ويمنع من دخول وخروج أية مواد إلا بطريقة محكمة تماما.
 
مكونات الخلية

مصدر الطاقة في الخلية:

فكل جهاز له حاجة من الطاقة والخلية تأخذ طاقتها مما يسمى المايتوكوندريا.

تعريف المايتوكوندريا MITOCHONDRIA :

المايتوكوندريا هي بطارية الخلية أو المولد أو المحرك الذي يزود الخلية بالطاقة التي تحتاجها لكي تقوم بالوظائف المناطة بها.
 
المايتوكوندرا مصدر طاقة الخلية

غشاء الخلية PLASMA MEMBRANE:

يقوم بحماية الخلية من الداخل وفصل الخارج عن الداخل والتحكم في المواد التي تحتاجها الخلية لإدخالها إلى الخلية بينما يتحكم بالمواد الخارجة من الخلية مثل: الفضلات أو البروتينات التي تصنعها الخلية لإرسالها إلى خارج الخلية إذا احتاجها الجسم.

وهناك أمور عديدة وكثيرة داخل الخلية لكن ما أريد أن أقوله هو: أن الخلية تتكون من ثلاث مكونات رئيسية:
1- الغشاء الخلوي PLASMA MEMBRANE (وقد تكلمنا عليه سابقا)
2- السيتوبلازم:
 
السيتوبلازم
وهو هذه المادة الصفراء (كما في الصورة) التي تحتوي على الكثير من البروتينات والأجهزة الأخرى مثل المايتوكوندريا (مصدر الطاقة للخلية) و(أيضا) مثل ما نسميه:
ENDOPLASMIC RETICULUM وهي مصنع البروتينات:
 وهي مصنع الخلية والجسم (تظهر باللون الأخضر بالصورة على هيئة دائرة تحيط بالنواة).
توجد عليها الريبوسومات: وهي الماكينة التي تصنع البروتينات.
 
مصنع البروتينات بالخلية
3- النواة: 
 
نواة الخلية
وداخل الخلية هناك في الوسط ما هو أعظم وهي النواة التي تحتوي على المادة الوراثية للإنسان.
فمثلا: عندنا 46 كروموسوم منها 23 من الأب و23 من الأم هذه الكروموسومات تحمل الشيفرة الوراثية وهي الصندوق الأسود للإنسان الذي يحمل كافة خصائصه ويتحكم كيف يتعامل الإنسان مع محيطه الخارجي وكيف يتعامل الإنسان مع داخله.

فهذه المكونات الثلاث وهي غشاء الخلية والسيتوبلازم والنواة ثلاثتها تشكل الوحدة الأساسية للحياة! هذه المكونات الثلاث يفتقدها الفيروس ولا يتكون منها.

مم يتكون الفيروس إذن؟!

يتكون الفيروس من مادة وراثية مثل التي نراها هنا (في الصورة على هيئة شريط أحمر).
 
فايروس كورونا
وهنا فيروس كورونا يتكون من مادة تسمى RNA وهي اختصارا للحمض النووي الريبوزي Ribonucleic acid وهو أحادي السلسلة.
وهناك فيروسات أخرى مثل فيروسات الجدري أو جدري الدجاج Chicken-pox أو جدري البقر Cow-pox تتكون من مادة وراثية تسمى DNA اختصارا لـDeoxyribonucleic acid أو (الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين) وهي سلسلة مزدوجة.

أين مكمن الخطر؟

الفيروسات المكونة من الـRNA مثل فايروس كورونا فايروسات قادرة على التحور والتغير بشكل سريع ولذا نرى فيروسات تظهر كل حين وأخرى تغير من شكلها بحيث أنها تصبح غير معروفة للجهاز المناعي الإنساني أو الحيواني ولذلك لا يستطيع مواجهتها بسهولة!

بينما الفيروسات ذات الحمض الوراثي الثنائي DNA مثل جدري الدجاج أو الأبقار لا تتغير عبر مدة طويلة من الزمن ونستطيع أن نستخدم لقاح ضدها ولذلك نقوم بإعطاء التطعيم (اللقاح) للأطفال وتبقى معهم طوال العمر لأن الفيروس لا يتغير بسهولة.

ما هي مكونات الفيروس ومم يصنع الفيروس؟!

1- يتكون الفيروس من المادة الوراثية كما قلنا وهنا نتحدث عن الحمض النووي الريبوزي أحادي السلسلة RNA
2- ويتكون الفيروس أيضا من غشاء بروتيني (اللون الأخضر المحيط بالفيروس على شكل حلقة والزوائد ذات الرؤوس الزرقاء كما بالصورة) 
الغشاء البروتيني لفيروس كورونا
وهذا الغشاء البروتيني عليه أنواع أخرى من البروتينات وهذا البروتين الذي على شكل زوائد برؤوس زرقاء هذا هو البروتين الأهم و (الأخطر) في فيروسات كورونا.
هذا البروتين يسمى بروتين سبايك وهو البروتين القادر على الدخول إلى الخلية الإنسانية وهو البروتين الذي تغير مؤخرا على فيروسات كورونا وقد أصبح الأن اسمه كوفيد19 أو Corona Virus Disease 19.

فهذا اسم المرض الذي سببه فيروس كورونا الذي تم التعرف عليه في سنة 2019 في مدينة ووهان الصينية. وبغض النظر عن مصدر وأصل هذا الفايروس فهو يتكون من الغشاء البروتيني وهناك أيضا بروتينات أخرى مزروعة على غشاء الفايروس (كما نراها على هيئة زوائد مجاورة للزوائد الزرقاء).
 
الزوائد البوتينية لفيروس كورونا

وظائف بروتينات فايروس كورونا:

وهذه البروتينات لها وظائف أخرى:
1- بعضها يتطلبها الفيروس للدخول إلى الخلية الإنسانية ومهاجمتها.
2- وبعضها وظيفته السيطرة على الماكينة التصنيعية للخلية الإنسانية (بعد الدخول).
3- والآخر مسؤول عن خروج الفيروس من الخلية الإنسانية والانطلاق من الخلية إلى خلية أخرى أو إلى ضحية أخرى.

إذن فالفيروس عبارة فقط عن مادة وراثية محاطة بغشاء بروتيني فليس له نواة وليس له سيتوبلازم وليس له غشاء خلوي.
ومع كل هذه البساطة في تصنيع الفيروس استطاع أن يسيطر على الشعوب وعلى الأمم واستطاع أن يقتل الكثير من البشر في السنوات المئات الماضية.
ففي سنة 1918 استطاع فيروس الإنفلونزا أن يقتل (بقدر الله الحكيم الخبير) أكثر من 50 مليون إنسان في الحرب العالمية الأولى وذلك لأنه جاء وتغير وغير البروتين الموجود على سطح الفيروس أو ما يسمى ببروتين سبايك واستطاع أن يهاجم الكثير من البشر وجاء كمفاجأة على جهاز المناعة الإنساني الذي لم يكن جاهزا.

ما هو هدف الفيروس؟

هنا (في الصورة) نرى نموذج حاسوبي لفيروس كورونا كما نرى هنا الفيروس معقد فكل لون من هذه الألوان يشير إلى أحد البروتينات المكونة للفايروس.
 
بروتينات فيروس كورونا
وكل واحد من البروتينات ذات اللون المحدد لها وظيفة محددة في دورة عدوى هذا الفيروس ولا نقول دورة حياة هذا الفيروس لأن الفيروس ليس له حياة لأنه ليس بكائن حي!

إذن هدف الفيروس هو الوصول إلى الخلية الهدف لكن هناك قضية مهمة جدا أود أن أنوه إليها وهي :
أنه مع كل هذه القوى التي أعطاها رب العالمين الخالق (عز وجل) إلى الفيروس للدخول إلى الخلية والتكاثر بها والتحكم بالخلية والماكينة التصنيعية التابعة للخلية والخروج منها والانتقال من شخص إلى آخر وتطوير طرق وكل هذه الأمور أعطى تخصص للفايروسات.

ما هو تخصص فيروس كورونا؟ وما هي الخلايا المستهدفة بالنسبة له؟

ففيروسات كورونا مثلا متخصصة في التهام أو الدخول إلى نوع واحد محدد من الخلايا والحمد لله وهو الدخول إلى الخلايا الرئوية.
فكل فيروس له نوع محدد من الخلايا يدخل فيها فمثلا: فيروسات الهيربيز Herpes التي تسبب الحمو أو الفقاعات التي تظهر على الشفتين أو غيرها متخصصة في الخلايا العصبية والخلايا العصبية تتعرض للتوتر بشكل كبير فعندما نتعرض للتوتر أو لضعف جهاز المناعة لأي سبب كان أو بسبب البرد أو الحمى تظهر علينا آثار التهاب الفيروس الهيربيز. لذلك يجب أن نبقى المناعة قوية حتى نتحكم بالفيروس.

ما الذي يجعل بعض الفيروسات أخطر؟

1- الفيروس كما قلنا يجب أن يدخل إلى خلايا متخصصة فهناك فيروسات أخرى تتخصص بنوع محدد من الخلايا وهو ما يجعل الفيروسات خطيرة أو غير خطيرة.
2- والأمر الآخر هو طريقة انتقالها من شخص إلى آخر هو ما يجعلها خطيرة أو غير خطيرة.

فمثلا:
الفيروس المسبب لنقص المناعة أو الإيدز HIV (human immunodeficiency virus) لماذا يسبب نقص المناعة؟ وما الفرق بين فيروسات HIV وفيروس كورونا؟
بغض النظر عن الشكل فإن فيروس الإيدز يستهدف الخلية المناعية التي تحارب الفيروس!
فيدخل الخلية المناعية من نوع الخلايا التائية  T-Cells ( الإستخبارات ) وهي التي تكون رأس الحربة في جهاز المناعة ضد الفيروسات فيلتهمها ويحولها من خلية مناعية تحارب الفيروس إلى مصنع للفيروس!
وهنا المشكلة الكبرى التي تكمن في فيروس نقص المناعة.

هدف فيروس كورونا:

أما كورونا والحمد لله فإنه يدخل إلى نوع واحد من الخلايا وهو خلايا الرئتين التنفسية.
وبعد أن رأينا الفرق بين تكوين الفيروس وتكوين الخلية ووصلنا إلى مرحلة أن الفيروس بحاجة إلى التهام الخلية أو الدخول إلى الخلية حتى يستطيع التكاثر.

كيف ينتقل الفايروس؟ هل ينتقل عبر الهواء أو عبر الماء أو عبر أي شيء آخر؟
وهو ما سنتكلم عنه في مرحلة أخرى أما في المرة القادمة فسنتكلم عن شيء آخر وهو ماذا يفعل الإنسان عندما يصل الفايروس إلى رئتيه؟ وكيف سيستقبل الجسم هذا الفايروس؟
فتابعونا..